يقع قصر البُناة (ويُسمّى دير مار مارون ومغارة الراهب) على الضفة الشرقية من نهر العاصي بمحاذاة نبع عين الزرقاء. وتُنسب كلمة البُناة (تُلفظ باللهجة المحلية البَنات) إلى المهندسين والبنائين الذين اتخذوا من هذا المكان مقراً لهم عندما حفروا قنوات جرّ المياه من نهر العاصي إلى مملكة تدمر، وبنوا قاموع الهرمل. ويرجح هذه النظرية أن حجارة المغارة هي من نوع الحجارة نفسها التي بُني منها قاموع الهرمل.
واعتُمد في بناء هذه القلعة الصخرية النسق الهندسي الدفاعي الذي كان الرومان يستخدمونه في بناء قلاعهم في منطقة الشرق الأوسط، وهو يختلف عن النسق الهندسي الروماني الأوروبي، إذ أن النوافذ مشطوفة على شكل زوايا، وهي ذات فتحات صغيرة من الخارج تتسع في اتجاه الداخل، بما يحول دون دخول السهام والنبال في حال التعرض لهجوم معاد، ويسمح في الوقت نفسه بالمراقبة والتحرك في الدفاع من الداخل نحو الخارج.
والمعروف أن الرومان لم يستعملوا الخيام للمكوث فيها، لذا عملوا على بناء هذه القلعة الصخرية حوالي سنة 200 قبل الميلاد، ليأوي العمّال اليها بعد فراغهم من أعمال الحفر في قنوات المياه. وفي سنة 425 للميلاد، كافأ الملك مورقيان رهبان مار مارون لمقاومتهم اليعاقبة، فوهبهم القصر ليتنسّكوا فيه. وقد قاموا بتوسيعه وزادوا عليه عدداً كبيراً من الصوامع، وحوّلوه ديراً للصلاة والعبادة، وحفروا بئراً في داخله يصل الى مجرى نهر العاصي ليتسنى لهم الحصول على المياه من دون الخروج من الدير، مخافة أن يكتشف اليعاقبة الدير ويلاحقوا الرهبان.
وفي هذا الموقع المقدس استشهد 350 راهباً من أتباع القديس مارون في العام 517 للميلاد، بسبب رفضهم الخضوع لساويروس بطريرك اليعاقبة، وذلك أثناء توجههم من مغارة الراهب الى كنيسة القديس سمعان العمودي في جبل بركات شمال غرب حلب. وتحيي الكنيستان الشرقية والغربية، في 31 تموز من كل عام، ذكرى استشهاد 350 راهباً قتلوا عام 517 «في سبيل الايمان».
(من بحث للدكتور المهندس علي المسمار)