قناة زنوبيا سرّ هندسي يروي عطش تدمر
في باطن سهل مدينة الهرمل، يكمن سر هندسي عجيب يتمثّل في القناة التي أمرت زنوبيا، ملكة تدمر، بإنشائها لجر مياه نهر العاصي النقية والعذبة إلى مملكة تدمر من دون أن يكشفها الأعداء. والقناة، التي أُنشئت حوالي العام 200 قبل الميلاد، عبارة عن قناتين، تمتد الأولى من جانب جسر العاصي الحالي لجرّ مياه النهر، وتمتد الثانية من نبع بلدة اللبوة القريبة. وتسير القناتان، كلٌ على حدى، قبل أن تلتقيا في قناة واحدة داخل الأراضي السورية. والغرض من إنشائهما على هذا النحو هو ضمان استمرار تغذية تدمر بالمياه في حال سيطر الأعداء على إحدى القناتين.
يبلغ طول القناتين حوالي 90 كيلومتراً، وهي عبارة عن سلسلة آبار محفورة في الصخر، تتصلّ ببعضها بعضاً في باطن الأرض بنفق ضخم جداً. ويصل عمق كل بئر إلى 35 متراً وفتحته إلى متر واحد.
وعلى رغم أن نهر العاصي يمر داخل المناطق السورية، وبالتالي فإن جرّ المياه من داخل هذه الأراضي أسهل بكثير من جرّها في القنوات من سهل الهرمل، إلا أنه يعتقد أن مملكة تدمر رأت أن جرّ المياه عبر القنوات من أماكن قريبة من منبع النهر، يضمن نقاوة المياه وعذوبتها، لأن منسوب نهر العاصي كان أقوى بكثير مما هو عليه اليوم، بحيث كانت قوة السيول تجرف معها الأتربة إلى وادي العاصي، فتتحول المياه إلى وحول وتصبح غير صالحة للشرب. كما أن النهر في مجراه قبل الوصول الى تدمر يمر في مناطق كانت تعج بالحيوانات التي تشرب وتغتسل في النهر ما يفقد المياه نقاوتها.
(من بحث للدكتور المهندس علي المسمار)